- النقاط
- 1,361
كانت أسماء تشبه الشوارع الخلفية للمدينة... هادئة، باهتة، لكن مليئة بالحكايات المخفية. في وجهها شحوب يشبه نور الفجر الذي لا يكتمل، وفي عينيها ألف دمعة مؤجلة. تسكن مع والدتها المريضة في شقة ضيقة على أطراف الحي، وتعمل أحيانًا في خياطة بسيطة، تُخيط للناس أثوابهم بينما يتفتق جسدها بصمت.
قبل عام، عرفت أنها مريضة. ورم في صدرها، لم يكن حميدًا، ولا كان الزمن في صالحها. الطبيب قال: "العملية ضرورية خلال شهور... وإلا سيفتك المرض بجسدك كله." لكنها لم تكن تملك ثمن الأشعة، فكيف بالعملية؟
كانت تبتسم... دائمًا تبتسم، حتى وهي تتألم. ليس لأنها قوية، بل لأنها لا تملك خيارًا آخر.
سامر... بائع السجائر على ناصية الطريق، شاب بسيط، قميصه ممزق من جهة الكتف، وحذاؤه باهت. لكنه كان يحمل قلبًا يتسع لعالم كامل.
أحب أسماء منذ أن رآها أول مرة، كانت تمشي بجوار والدتها، وابتسامتها تخترق فوضى الشارع. ظل يراقبها من بعيد، حتى جمع شجاعته ذات يوم وسألها: "اسمك إيه؟"
فأجابت دون تردد: "أسماء."
ومنذ ذلك اليوم صار كل ما يملك لأجلها. كان يبيع، ويجمع القروش في علبة صدئة كتب عليها "حياة أسماء". لم يكن يملك إلا حلمًا، وكانت هي كل الحلم.
ذهبت أسماء إلى الطبيب وحدها. لم تكن تريد أن يرى سامر صور الأشعة. جلست أمام الطبيب، ووجهها شاحب.
قال لها الطبيب ببرود الأطباء الذين تعودوا إعلان الفقد:
"يا بنتي، لازم عملية جراحية خلال أسبوعين. الورم بدأ يضغط على القلب."
قالت بصوت كأنها تخاطب نفسها:
"وحتكلف قد إيه؟"
رد الطبيب: "١٨٠٠٠ جنيه على الأقل."
ابتسمت أسماء، شكرته، ثم خرجت. مشت في الشارع كأنها تمشي في ممر جنازتها. الناس يعبرون، يضحكون، يتحدثون، ولا أحد يعرف أن جسدها بدأ ينهار شيئا فشيئا
أخبرت سامر فقط أنها بحاجة لبعض الدواء. لم ترد أن تُقلقه. لكنه شعر أن هناك ما تخفيه. بدأ يسأل، يركض من مستشفى لمستشفى، حتى عرف الحقيقة.
بدأ يعمل ليلًا في توصيل الطلبات، ويبيع هاتفه، ويقترض، حتى استطاع جمع جزء من المبلغ. كان يعد الأيام والساعات.
لكنه لم يكن يعلم أن الوقت ينفد من تحت قدميه.
في صباح أحد الأيام، خرج سامر مبكرًا، قال لها وهو يضع قبلة على جبينها:
"قربنا يا أسماء... قريب هنكسر الحزن ده كله."
ابتسمت له، لكنها بعد أن أغلق الباب، سقطت دمعة وحيدة على خدها.
دخلت المطبخ، أخرجت سكين الخبز. كتبت رسالة قصيرة، ثم جلست على الأرض.
تنفست بعمق.
قالت لنفسها بصوت مرتجف:
"هعملها بسرعة… علشان ما أتراجعش."
ثم غرست السكين في بطنها… مرة، ثم مرة، ثم ثالثة…
حتى سقطت، والدم يغرق الأرض، والسكين يسقط من يدها، وكأنها غادرت بجسدها وتركته ينتظر.
كأنها كانت تنتقم من جسدها الذي خذلها
عاد سامر عصرًا، يركض، يضحك، يحمل النقود. دخل البيت يناديها:
"أسماء! جبت الفلوس! هنعيش!"
لكن الصمت أجابه.
دخل المطبخ... وصرخ. سقط على الأرض،
وجدها هناك، في المطبخ…
ثوبها الأبيض –الذي كانت تحبّه في أيام الخطوبة– صار كفنًا قبل أوانه.
عيناها مفتوحتان، تنظران للسقف… وكأنها تراقب الملائكة وهي تهبط لتأخذها.
احتضن جسدها الملطخ بالدم. قرأ الرسالة:
"سامر...
لم أكن أريد أن تراني أضعف
أنا آسفة... آسفة على حبك لي... آسفة على فقرنا... آسفة لأن الحياة لم ترحمنا.
حياتك غالية وأنا رخيصه
أنت تستحق حياة أفضل بدون قلق..... بدون توتر....... بدون خوف..... بدون أسماء
لذا طعنت جسدي بالسكين بدلا من أن أطعن قلبك بمرضي
سامحني."
في اليوم التالي، دفنها وحده. لم يحضر أحد. فقط هو، والعلبة التي جمّع فيها المال.
وضع العلبة على قبرها، وحفر بيديه على الشاهد:
"أسماء... التي لم يُقتلها المرض، بل الوقت."
لم يفتح سامر كشكه بعد ذلك. صار يمشي في الشوارع كمن فقد ظله.
كان يجلس على درج بيتها كل ليلة، يحمل الرسالة، ويقرأها مرارًا، ويبكي
وصار يهمس لكل عابر حزين:
"اللي بيحب بجد... لازم يلحق. الحب مش دايم. الزمن ما بيستناش حد."
قبل عام، عرفت أنها مريضة. ورم في صدرها، لم يكن حميدًا، ولا كان الزمن في صالحها. الطبيب قال: "العملية ضرورية خلال شهور... وإلا سيفتك المرض بجسدك كله." لكنها لم تكن تملك ثمن الأشعة، فكيف بالعملية؟
كانت تبتسم... دائمًا تبتسم، حتى وهي تتألم. ليس لأنها قوية، بل لأنها لا تملك خيارًا آخر.
سامر... بائع السجائر على ناصية الطريق، شاب بسيط، قميصه ممزق من جهة الكتف، وحذاؤه باهت. لكنه كان يحمل قلبًا يتسع لعالم كامل.
أحب أسماء منذ أن رآها أول مرة، كانت تمشي بجوار والدتها، وابتسامتها تخترق فوضى الشارع. ظل يراقبها من بعيد، حتى جمع شجاعته ذات يوم وسألها: "اسمك إيه؟"
فأجابت دون تردد: "أسماء."
ومنذ ذلك اليوم صار كل ما يملك لأجلها. كان يبيع، ويجمع القروش في علبة صدئة كتب عليها "حياة أسماء". لم يكن يملك إلا حلمًا، وكانت هي كل الحلم.
ذهبت أسماء إلى الطبيب وحدها. لم تكن تريد أن يرى سامر صور الأشعة. جلست أمام الطبيب، ووجهها شاحب.
قال لها الطبيب ببرود الأطباء الذين تعودوا إعلان الفقد:
"يا بنتي، لازم عملية جراحية خلال أسبوعين. الورم بدأ يضغط على القلب."
قالت بصوت كأنها تخاطب نفسها:
"وحتكلف قد إيه؟"
رد الطبيب: "١٨٠٠٠ جنيه على الأقل."
ابتسمت أسماء، شكرته، ثم خرجت. مشت في الشارع كأنها تمشي في ممر جنازتها. الناس يعبرون، يضحكون، يتحدثون، ولا أحد يعرف أن جسدها بدأ ينهار شيئا فشيئا
أخبرت سامر فقط أنها بحاجة لبعض الدواء. لم ترد أن تُقلقه. لكنه شعر أن هناك ما تخفيه. بدأ يسأل، يركض من مستشفى لمستشفى، حتى عرف الحقيقة.
بدأ يعمل ليلًا في توصيل الطلبات، ويبيع هاتفه، ويقترض، حتى استطاع جمع جزء من المبلغ. كان يعد الأيام والساعات.
لكنه لم يكن يعلم أن الوقت ينفد من تحت قدميه.
في صباح أحد الأيام، خرج سامر مبكرًا، قال لها وهو يضع قبلة على جبينها:
"قربنا يا أسماء... قريب هنكسر الحزن ده كله."
ابتسمت له، لكنها بعد أن أغلق الباب، سقطت دمعة وحيدة على خدها.
دخلت المطبخ، أخرجت سكين الخبز. كتبت رسالة قصيرة، ثم جلست على الأرض.
تنفست بعمق.
قالت لنفسها بصوت مرتجف:
"هعملها بسرعة… علشان ما أتراجعش."
ثم غرست السكين في بطنها… مرة، ثم مرة، ثم ثالثة…
حتى سقطت، والدم يغرق الأرض، والسكين يسقط من يدها، وكأنها غادرت بجسدها وتركته ينتظر.
كأنها كانت تنتقم من جسدها الذي خذلها
عاد سامر عصرًا، يركض، يضحك، يحمل النقود. دخل البيت يناديها:
"أسماء! جبت الفلوس! هنعيش!"
لكن الصمت أجابه.
دخل المطبخ... وصرخ. سقط على الأرض،
وجدها هناك، في المطبخ…
ثوبها الأبيض –الذي كانت تحبّه في أيام الخطوبة– صار كفنًا قبل أوانه.
عيناها مفتوحتان، تنظران للسقف… وكأنها تراقب الملائكة وهي تهبط لتأخذها.
احتضن جسدها الملطخ بالدم. قرأ الرسالة:
"سامر...
لم أكن أريد أن تراني أضعف
أنا آسفة... آسفة على حبك لي... آسفة على فقرنا... آسفة لأن الحياة لم ترحمنا.
حياتك غالية وأنا رخيصه
أنت تستحق حياة أفضل بدون قلق..... بدون توتر....... بدون خوف..... بدون أسماء
لذا طعنت جسدي بالسكين بدلا من أن أطعن قلبك بمرضي
سامحني."
في اليوم التالي، دفنها وحده. لم يحضر أحد. فقط هو، والعلبة التي جمّع فيها المال.
وضع العلبة على قبرها، وحفر بيديه على الشاهد:
"أسماء... التي لم يُقتلها المرض، بل الوقت."
لم يفتح سامر كشكه بعد ذلك. صار يمشي في الشوارع كمن فقد ظله.
كان يجلس على درج بيتها كل ليلة، يحمل الرسالة، ويقرأها مرارًا، ويبكي
وصار يهمس لكل عابر حزين:
"اللي بيحب بجد... لازم يلحق. الحب مش دايم. الزمن ما بيستناش حد."